]قابلت صديقي ومحياه ينضح بالحزن على غير عادته وهو الصديق المعروف بابتسامته الدائمة ودعابته التي تضفي جواً من الملاحة على جلسائه، بادرته سائلاً : مهلاً صديقي الغالي مالي أراك مكفهر الوجه حزينا، هل أغضبتك حوريتك؟ أم فقدت عزيزاً عليك أخبرنا كي نواسيك. بعد صمت واضطراب أجاب صديقي قائلاً الأمر أشد من ذلك أيها العزيز؛ لقد عشت البارحة موقفاً لم أشهد مثله في حياتي وأغلب ظني أني لن أشهد مثله بعده، استعجلته الحديث قائلاً : أخبرنا عن خطبك عجّل!! واصل صديقي حديثه بعد تنهيدة حرى أخرجها بعنف من بين ثناياه: لقد كنا مساء الأمس في حفل زفاف أحد الأصدقاء وكانت ليلة جميلة ماتعة امتزجت فيها التبريكات مع الدعوات والتمّ فيه الشمل بعد طول فراق، والجميل أن صديقي العريس زميل دراسة منذ المرحلة الابتدائية فدعا في حفل زفافه جميع الأصدقاء فاجتمعنا بالعريس وصحبه والكل مسرور بهذا الحفل الذي أعاد روح الحياة إلى عروق الصداقة القديمة التي كادت أن تنتحر ... وبعد خروج الناس من قاعة الحفل جلسنا بالعريس على طاولة العشاء والفرح يخيم على الجميع والكل مبتهج بهذا العرس البهي .. والمداعبات والضحكات تنتقل من ثغر لآخر وأثناء العشاء قام أحد الأصدقاء واقترح اقتراحاً بنشوة الفرح وليتنا لم نطاوعه فيه.. اقترح أن نزف العروسين من قاعة الحفل إلى عشهما الباسم ابتهاجاً بهذه المناسبة السعيدة، وقد أبدى المقترح استعداده التام لعمل المراسيم اللازمة من تهيئة المراكب المرافقة لسيارة العريس المشرعة بالورود الفواحة ذات الألوان الزاهية وإعداد فريق التصوبر المصاحب لموكب العريس ووو وما كاد ينتهي هذا الصديق من اقتراحه حتى وجد أصواتاً تؤيده في حماسة وهمة عالية، لم يجد العريس أمامها سوى الانصياع لهذا الاقتراح المجمع عليه من قبل زملائه وأحبابه، وانتظرنا حتى الهزيع الأخير من الليل وحتى ركب العروسان سيارتهما المظللة الموشحة بالورود الملونة والحرير اللامع وانطلقت المسيرة تنير سواد الليل بإضاءات السيارات المشعة، وتزعج سكونه بأصوات المنبهات العالية التي تنبعث من السيارات المحيطة بسيارة العريس، وسرنا والضجيج يصاحبنا وبدأ البعض يمارس هواياته في القيادة فحمي الوطيس وانبرى أحدهم واقترب فجأة من سيارة العروسين المظللة قاصداً تخويفه بنية بريئة فلم يجد العريس بداً للخروج من هذه المزحة الثقيلة سوى الانحراف بسيارته للجهة الأخرى فخرج عن مساره بسرعة خفية فكانت مفاجأة لم نحسب لها أي حساب ... واصل صديقي حديثه والدموع تتقاطر من عينيه : لم ينتبه العريس لشاحنة تسير بسرعة لتتجاوز الموكب نظراً للتظليل الكاتم على أغلب السيارة فاصطدمت الشاحنة بكامل حمولتها لتسحب سيارة العريس لعدة أمتار تحولت بعدها إلى كومة حديد تغطيها الورود المتناثرة هنا وهناك، توقف الموكب وهدأ الصخب المدوي وانطفأت الأنوار وهدأت الأصوات وخرج الجميع يحملون قلوبهم على أكفهم وما هي إلا لحظات حتى تحولت أصوات منبهات السيارات صراخاً وعويلاً وانقلب الفرح ترحاً حين تأكد الجميع أن ملك الموت كان على موعد مع العروسين في أجمل ليلة في حياتهما، يقول صديقي: نحن على يقين بأن صاحبنا المازح بسيارته لم يكن يتوقع ولو للحظة واحدة أن تكون هذه هي نتيجة مزحته وهو من أعز أصدقاء العريس .