بسم الله الرحمن الرحيم
أركان الصلاة وواجباتها وسننها
أيها المسلم إن الصلاة عبادة عظيمة ، تشتمل على أقوال وأفعال مشروعة تتكون منها صفتها الكاملة ، فهي كما يعرفها العلماء أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم .
وهذه الأقوال والأفعال ثلاثة أقسام : أركان ، وواجبات ، وسنن .
فالأركان إذا ترك منها شيء بطلت الصلاة ، سواء كان تركه عمدا أو سهوا ، أو بطلت الركعة التي تركه منها ، وقامت التي تليها مقامها ، كما يأتي بيانه .
والواجبات إذا ترك منها شيء عمدا بطلت الصلاة ، وإن كان تركه سهوا لم تبطل ، ويجبره سجود السهو .
والسنن لا تبطل الصلاة بترك شيء منها لا عمدا ولا سهوا ، لكن تنقص هيئة الصلاة بذلك .
والنبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة كاملة بجميع أركانها وواجباتها وسننها ، وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي .
فأركان الصلاة أربعة عشر : وهي كما يلي :
الركن الأول : القيـام في صلاة الفريضة
قال تعالى : وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ، وفي حديث عمران مرفوعا : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب ، فدلت الآية والحديث على وجوب القيام في الصلاة المفروضة مع القدرة عليه .
فإن لم يقدر على القيام لمرض صلى على حسب حاله قاعدا أو على جنب ، ومثل المريض الخائف والعريان ، ومن يحتاج للجلوس أو الاضطجاع لمداواة تتطلب عدم القيام ، وكذلك من كان لا يستطيع القيام لقصر سقف فوقه ، ولا يستطيع الخروج ، ويعذر أيضا بترك القيام من يصلي خلف الإمام الراتب الذي يعجز عن القيام ، فإذا صلى قاعدا فإن من خلفه يصلون قعودا تبعا لإمامهم ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض صلى قاعدا ، وأمر من خلفه بالقعود .
وصلاة النافلة يجوز أن تصلى قياما وقعودا ، فلا يجب القيام فيها لثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها أحيانا جالسا من غير عذر .
الركن الثاني : تكبيرة الإحرام في أولها
لقوله صلى الله عليه وسلم : ثم استقبل القبلة وكبر ، وقوله صلى الله عليه وسلم : تحريمها التكبير ، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه افتتح الصلاة بغير التكبير ، وصيغتها أن يقول : الله أكبر ، لا يجزيه غيرها ؛ لأن هذا هو الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
الركن الثالث : قراءة الفاتحة
لحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، وقراءتها ركن في كل ركعة ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤها في كل ركعة وحينما علم صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته كيف يصلي أمره بقراءة الفاتحة .
وهل هي واجبة في حق كل مصل ، أو يختص وجوبها بالإمام والمنفرد ؟ فيه خلاف بين العلماء ، والأحوط أن المأموم يحرص على قراءتها في الصلوات التي لا يجهر فيها الإمام ، وفي سكتات الإمام في الصلاة الجهرية .
الركن الرابع : الركوع في كل ركعة
لقوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ، وقد ثبت الركوع في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو واجب بالكتاب والسنة والإجماع .
وهو في اللغة الانحناء ، والركوع المجزئ من القائم هو أن ينحني حتى تبلغ كفاه ركبتيه إذا كان وسط الخلقة ، أي : غير طويل اليدين أو قصيرهما ، وقدر ذلك من غير وسط الخلقة ، والمجزئ من الركوع في حق الجالس مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض .
الركن الخامس والسادس : الرفع من الركوع ، والاعتدال واقفا كحاله قبله
لأنه صلى الله عليه وسلم داوم على فعله وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي .
الركن السابع : السجود
وهو وضع الجبهة على الأرض ، ويكون على الأعضاء السبعة ، في كل ركعة مرتين لقوله تعالى : واسجدوا ، وللأحاديث الواردة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم به وفعله له ، وقوله : صلوا كما رأيتموني أصلي .
فالأعضاء السبعة هي : الجبهة ، والأنف ، واليدان ، والركبتان ، وأطراف القدمين ، فلا بد أن يباشر كل واحد من هذه الأعضاء موضع السجود وحسب الإمكان ، والسجود أعظم أركان الصلاة ، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأفضل الأحوال حال يكون العبد فيها أقرب إلى الله ، وهو السجود .
الركن الثامن : الرفع من السجود والجلوس بين السجدتين
لقول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا ، رواه مسلم .
الركن التاسع : الطمأنينة في كل الأفعال المذكورة
وهي السكون وإن قل ، وقد دل الكتاب والسنة على أن من لا يطمئن في صلاته لا يكون مصليا ، ويؤمر بإعادتها .
الركن العاشر والحادي عشر : التشهد الأخير وجلسته
وهو أن يقول : " التحيات ... " إلخ " اللهم صل على محمد " ، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لازمه وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : " كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد " فقوله : " قبل أن يفرض " دليل على فرضه .
الركن الثاني عشر : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير
بأن يقول : " اللهم صل على محمد " ، وما زاد على ذلك فهو سنة .
الركن الثالث عشر : الترتيب بين الأركان
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها مرتبة ، وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي ، وقد علمها للمسيء مرتبة بـ ( ثم ) .
الركن الرابع عشر : التسليم
لقوله صلى الله عليه وسلم : وختامها التسليم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : وتحليلها التسليم ، فالتسليم شرع للتحلل من الصلاة ، فهو ختامها وعلامة انتهائها .
أيها القارئ الكريم
من ترك ركنا من هذه الأركان : فإن كان التحريمة لم تنعقد صلاته ، وإن كان غير التحريمة ، وقد تركه عمدا ، بطلت صلاته أيضا ، وإن كان تركه سهوا - كركوع أو سجود - ، فإن ذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى ، فإنه يعود ليأتي به وبما بعده من الركعة التي تركه فيها ، وإن ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى ألغيت الركعة التي تركه منها ، وقامت الركعة التي شرع في قراءتها مقامها ، ويسجد للسهو ، وإن علم الركن المتروك بعد السلام ، فإن كان تشهدا أخيرا أو سلاما أتى به ، وسجد للسهو وسلم ، وإن كان غيرهما - كركوع أو سجود - فإنه يأتي بركعة كاملة بدل الركعة التي تركه منها ، ويسجد للسهو ما لم يطل الفصل ، فإن طال الفصل أو انتقض وضوؤه أعاد الصلاة كاملة .
فما أعظم هذه الصلاة ، وما تشمل من الأقوال والأفعال الجليلة !
وفق الله الجميع لإقامتها ، والمحافظة عليها